كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم الله من غمرة النعمة بالابتلاء الموقظ لابتلاهم.. ولكنه لا يريد بهم خيرًا وقد اشتروا الكفر بالإيمان وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة- غمرة النعمة والسلطان- بالابتلاء!
{ولهم عذاب مهين}..
والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء.
وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد له الله به الخير. فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم- ولو وقع الابتلاء مترتبًا على تصرفات هؤلاء الأولياء- فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف، وفضل الله على أوليائه المؤمنين.
وهكذا تستقر القلوب وتطمئن النفوس وتستقر الحقائق الأصيلة البسيطة في التصور الإسلامي الواضح المستقيم.
ولقد شاءت حكمة الله وبره بالمؤمنين أن يميزهم من المنافقين الذين اندسوا في الصفوف تحت تأثير ملابسات شتى ليست من حب الإسلام في شيء. فابتلاهم الله هذا الابتلاء- في أحد بسبب من تصرفاتهم وتصوراتهم ليميز الخبيث من الطيب عن هذا الطريق: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}..
ويقطع النص القرآني بأنه ليس من شأن الله سبحانه وليس من مقتضى ألوهيته وليس من فعل سنته أن يدع الصف المسلم مختلطًا غير مميز؛ يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ومظهر الإسلام بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ومن روح الإسلام. فقد أخرج الله الأمة المسلمة لتؤدي دورًا كونيًا كبيرًا ولتحمل منهجًا إلهيًا عظيمًا ولتنشئ في الأرض واقعًا فريدًا ونظامًا جديدًا.. وهذا الدور الكبير يقتضي التجرد والصفاء والتميز والتماسك ويقتضي ألا يكون في الصف خلل ولا في بنائه دخل.. وبتعبير مختصر يقتضي أن تكون طبيعة هذه الأمة من العظمة بحيث تسامي عظمة الدور الذي قدره الله لها في هذه الأرض؛ وتسامي المكانة التي أعدها الله لها في الآخرة..
وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث. وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة. وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر.. ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب ولم يكن شأنه أن يذر المؤمنين على ما كانوا عليه قبل هذه الرجة العظيمة!
كذلك ما كان من شأن الله سبحانه أن يطلع البشر على الغيب الذي استأثر به فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس مصممًا على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار.
وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض. وهي لا تحتاج للاطلاع على الغيب. ولو فتح الجهاز الإنساني على الغيب لتحطم. لأنه ليس معدًا لاستقباله إلا بالمقدار الذي يصل روحه بخالقه ويصل كيانه بكيان هذا الكون. وأبسط ما يقع له حين يعلم مصائره كلها ألا يحرك يدًا ولا رجلًا في عمارة الأرض أو أن يظل قلقًا مشغولًا بهذه المصائر بحيث لا تبقى فيه بقية لعمارة الأرض!
من أجل ذلك لم يكن من شأن الله سبحانه ولا من مقتضى حكمته ولا من مجرى سنته أن يطلع الناس على الغيب.
إذن كيف يميز الله الخبيث من الطيب؟ وكيف يحقق شأنه وسنته في تطهير الصف المسلم وتجريده من الغبش وتمحيصه من النفاق وإعداده للدور الكوني العظيم الذي أخرج الأمة المسلمة لتنهض به؟
{ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء}..
وعن طريق الرسالة وعن طريق الإيمان بها أو الكفر وعن طريق جهاد الرسل في تحقيق مقتضى الرسالة وعن طريق الابتلاء لأصحابهم في طريق الجهاد.. عن طريق هذا كله يتم شأن الله وتتحقق سنته ويميز الله الخبيث من الطيب ويمحص القلوب ويطهر النفوس.. ويكون من قدر الله ما يكون..
وهكذا يرفع الستار عن جانب من حكمة الله وهي تتحقق في الحياة؛ وهكذا تستقر هذه الحقيقة على أرض صلبة مكشوفة منيرة..
وأمام مشهد الحقيقة متجلية بسيطة مريحة يتجه إلى الذين آمنوا ليحققوا في ذواتهم مدلول الإيمان ومقتضاه ويلوح لهم بفضل الله العظيم الذي ينتظر المؤمنين.
{فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}..
فيكون هذا التوجيه وهذا الترغيب بعد ذلك البيان وذلك الاطمئنان خير خاتمة لاستعراض الأحداث في أحد والتعقيب على هذه الأحداث..
وبعد.. فقد تمخضت المعركة والتعقيب القرآني عليها عن حقائق ضخمة منوعة يصعب إحصاؤها ثم إيفاؤها حقها من البسط والعرض في هذا السياق من الظلال. فنكتفي بالإشارة إلى أشملها وأبرزها ليقاس عليه سائر ما في الغزوة كما عرضها القرآن الكريم من مواضع للعبرة والاستدلال:
1- لقد تمخضت المعركة والتعقيب عليها عن حقيقة أساسية كبيرة في طبيعة هذا الدين الذي هو المنهج الإلهي للحياة البشرية وفي طريقته في العمل في حياة البشر. وهي حقيقة أولية بسيطة ولكنها كثيرًا ما تنسى أو لا تدرك ابتداء فينشأ عن نسيانها أو عدم إدراكها خطأ جسيم في النظر إلى هذا الدين: في حقيقته وفي واقعه التاريخي في حياة الإنسانية وفي دوره أمس واليوم وغدًا.
إن بعضنا ينتظر من هذا الدين- ما دام هو المنهج الإلهي للحياة البشرية- أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة! دون اعتبار لطبيعة البشر ولطاقتهم الفطرية ولواقعهم المادي في أية مرحلة من مراحل نموهم وفي أية بيئة من بيئاتهم!
وحين يرون أنه لا يعمل بهذه الطريقة وإنما هو يعمل في حدود الطاقة البشرية وحدود الواقع المادي للبشر. وأن هذه الطاقة وهذا الواقع يتفاعلان معه فيتأثران به في فترات تأثرًا واضحًا أو يؤثران في مدى استجابة الناس له وقد يكون تأثيرهما مضادًا في فترات أخرى فتقعد بالناس ثقلة الطين وجاذبية المطامع والشهوات دون تلبية هتاف الدين أو الاتجاه معه في طريقه اتجاهًا كاملًا.. حين يرون هذه الظواهر فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها!- ما دام هذا الدين من عند الله- أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته! أو يصابون بالشك في الدين إطلاقًا!
وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد هو عدم إدراك طبيعة هذا الدين وطريقته أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة.
إن هذا الدين منهج للحياة البشرية يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد بشري في حدود الطاقة البشرية ويبدأ في العمل من النقطة التي يكون البشر عندها بالفعل من واقعهم المادي ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود جهدهم البشري وطاقتهم البشرية ويبلغ بهم أقصى ما تمكنهم طاقتهم وجهدهم من بلوغه.
وميزته الأساسية أنه لا يغفل لحظة في أية خطة وفي أية خطوة عن طبيعة فطرة الإنسان وحدود طاقته وواقعه المادي أيضا. وأنه في الوقت ذاته يبلغ به- كما تحقق ذلك فعلًا في بعض الفترات وكما يمكن أن يتحقق دائمًا كلما بذلت محاولة جادة- ما لم يبلغه وما لا يبلغه أي منهج آخر من صنع البشر على الإطلاق.
ولكن الخطأ كله- كما تقدم- ينشأ من عدم الإدراك لطبيعة هذا الدين أو نسيانها؛ ومن انتظار الخوارق التي لا ترتكن على الواقع البشري؛ والتي تبذل فطرة الإنسان وتنشئه نشأة أخرى لا علاقة لها بفطرته وميوله واستعداده وطاقاته وواقعه المادي كله!
أليس هو من عند الله؟ أليس دينًا من عند القوة القادرة التي لا يعجزها شيء؟ فلماذا إذن يعمل فقط في حدود الطاقة البشرية؟ ولماذا يحتاج إلى الجهد البشري ليعمل؟ ثم لماذا لا ينتصر دائمًا؟ ولا ينتصر أصحابه دائمًا؟ لماذا تغلب عليه ثقلة الطبع والشهوات والواقع المادي أحيانًا؟ ولماذا يغلب أهل الباطل على أصحابه وهم أهل الحق أحيانًا؟
وكلها- كما نرى- أسئلة وشبهات تنبع من عدم إدراك الحقيقة الأولية البسيطة لطبيعة هذا الدين وطريقته أو نسيانها!
إن الله قادر- طبعًا- على تبديل فطرة الإنسان- عن طريق هذا الدين أو من غير طريقه- وكان قادرًا على أن يخلقه منذ البدء بفطرة أخرى.
ولكنه شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة. وشاء أن يجعل لهذا الإنسان إرادة واستجابة. وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والتلقي والاستجابة. وشاء أن تعمل فطرة الإنسان دائمًا ولا تمحى ولا تبدل ولا تعطل. وشاء أن يتم تحقيق منهجه للحياة في حياة البشر عن طريق الجهد البشري وفي حدود الطاقة البشرية. وشاء أن يبلغ الإنسان من هذا كله بقدر ما يبذل من الجهد في حدود ملابسات حياته الواقعة.
وليس لأحد من خلقه أن يسأله: لماذا شاء هذا؟ ما دام أن أحدًا من خلقه ليس إلهًا! وليس لديه العلم ولا إمكان العلم بالنظام الكلي للكون وبمقتضيات هذا النظام في طبيعة كل كائن في هذا الوجود وبالحكمة المغيبة وراء خلق كل كائن بهذا التصميم الخاص!
ولماذا؟- في هذا المقام- سؤال لا يسأله مؤمن جاد ولا يسأله كذلك ملحد جاد.. المؤمن لا يسأله لأنه أكثر أدبًا مع الله- الذي يعرفه قلبه بحقيقته وصفاته- وأكثر معرفة بأن الإدراك البشري لم يهيأ للعمل في هذا المجال.. والكافر لا يسأله لأنه لا يعترف بالله ابتداء. فإن اعترف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه سبحانه ومقتضى ألوهيته!
ولكنه سؤال قد يسأله هازل مائع. لا هو مؤمن جاد ولا هو ملحد جاد.. ومن ثم لا ينبغي الاحتفال به ولا الجد في أخذه!
وقد يسأله جاهل بحقيقة الألوهية.. فالسبيل لإجابة هذا الجاهل ليس هو الجواب المباشر. إنما هو تعريفه بحقيقة الألوهية- حتى يعرفها فهو مؤمن أو ينكرها فهو ملحد.. وبهذا ينتهي الجدل إلا أن يكون مراء!
ليس لأحد من خلق الله إذن أن يسأله سبحانه لماذا شاء أن يخلق الكائن الإنساني بهذه الفطرة؟ ولماذا شاء أن تبقى فطرته هذه عاملة لا تمحى ولا تعدل ولا تعطل! ولماذا شاء أن يجعل المنهج الإلهي يتحقق في حياته عن طريق الجهد البشري وفي حدود الطاقة البشرية؟
ولكن لكل أحد من خلقه أن يدرك هذه الحقيقة؛ ويراها وهي تعمل في واقع البشرية ويفسر التاريخ البشري على ضوئها؛ فيفقه خط سير التاريخ من ناحية ويعرف كيف يوجه هذا الخط من ناحية أخرى.
هذا المنهج الإلهي الذي يمثله الإسلام- كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يتحقق في الأرض في دنيا الناس بمجرد تنزله من عند الله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يُمضي الله ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب وترتب النتائج على أسبابها الطبيعية.
إنما يتحقق بأن تحمله مجموعة من البشر تؤمن به إيمانًا كاملًا وتستقيم عليه- بقدر طاقتها- وتجعله وظيفة حياتها وغاية آمالها؛ وتجهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم العملية كذلك؛ وتجاهد لهذه الغاية بحيث لا تستبقي جهدًا ولا طاقة.. تجاهد الضعف البشري والهوى البشري والجهل البشري في أنفسها وأنفس الآخرين. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى والجهل للوقوف في وجه هذا المنهج.. وتبلغ- بعد ذلك كله- من تحقيق هذا المنهج الإلهي إلى الحد والمستوى الذي تطيقه فطرة البشر. على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها فعلًا؛ ولا تغفل واقعهم ومقتضيات هذا الواقع في سير مراحل هذا المنهج وتتابعها.. ثم تنتصر هذه المجموعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة؛ وتنهزم في المعركة مع نفسها أو مع نفوس الناس تارة. بقدر ما تبذل من الجهد؛ وبقدر ما تتخذ من الأساليب العملية؛ وبقدر ما توفق في اختيار هذه الأساليب.. وقبل كل شيء وقبل كل جهد وقبل كل وسيلة.. هنالك عنصر آخر: هو مدى تجرد هذه المجموعة لهذا الغرض. ومدى تمثيلها لحقيقة هذا المنهج في ذات نفسها؛ ومدى ارتباطها بالله صاحب هذا المنهج وثقتها به وتوكلها عليه.
هذه هي حقيقة هذا الدين وطريقته وهذه هي خطته الحركية ووسيلته..
وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة وهو يربيها بأحداث معركة أحد؛ وبالتعقيب على هذه الأحداث..
حينما قصرت في تمثيل حقيقة هذا الدين في ذات نفسها في بعض مواقف المعركة. وحينما قصرت في اتخاذ الوسائل العملية في بعض مواقفها. وحينما غفلت عن تلك الحقيقة الأولية أو نسيتها؛ وفهمت أنه من مقتضى كونها مسلمة أن تنتصر حتمًا بغض النظر عن تصورها وتصرفها- حينئذ تركها الله تلاقي الهزيمة؛ وتعاني آلامها المريرة. ثم جاء التعقيب القرآني يردها إلى تلك الحقيقة: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير}..
ولكنه- كما قلنا في سياق الاستعراض للنصوص- لا يترك المسلمين عند هذه النقطة بل يصلهم بقدر الله من وراء الأسباب والنتائج؛ ويكشف لهم عن إرادة الخير بهم من وراء الابتلاء الذي وقع بأسبابه الظاهرة من تصرفاتهم الواقعة..
إن ترك المنهج الإلهي يعمل ويتحقق عن طريق الجهد البشري ويتأثر بتصرف البشر إزاءه.. هو خير في عمومه فهو يصلح الحياة البشرية ولا يفسدها أو يعطلها؛ ويصلح الفطرة البشرية ويوقظها ويردها إلى سوائها.. ذلك أن حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان. مجاهدتهم باللسان بالتبليغ والبيان؛ ومجاهدتهم باليد لدفعهم من طريق الهدى حين يعترضونه بالقوة الباغية.
وحتى يتعرض في هذه المجاهدة للابتلاء والصبر على الجهد والصبر على الأذى والصبر على الهزيمة والصبر على النصر أيضا- فالصبر على النصر أشق من الصبر على الهزيمة- وحتى يتمحص القلب ويتميز الصف وتستقيم الجماعة على الطريق وتمضي فيه راشدة صاعدة متوكلة على الله.
حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان. لأنه يجاهد نفسه أولًا في أثناء مجاهدته للناس؛ وتتفتح له في الإيمان آفاق لم تكن لتتفتح له أبدًا وهو قاعد آمن سالم؛ وتتبين له حقائق في الناس وفي الحياة لم تكن لتتبين له أبدًا بغير هذه الوسيلة؛ ويبلغ هو بنفسه وبمشاعره وتصوراته وبعاداته وطباعه وبانفعالاته واستجاباته ما لم يكن ليبلغه أبدًا بدون هذه التجربة الشاقة المريرة.
وحقيقة الإيمان لا يتم تمامها في جماعة حتى تتعرض للتجربة والامتحان والابتلاء وحتى يتعرف كل فرد فيها على حقيقة طاقته وعلى حقيقة غايته؛ ثم تتعرف هي على حقيقة اللبنات التي تتألف منها مدى احتمال كل لبنة ثم مدى تماسك هذه اللبنات في ساعة الصدام.
وهذا ما أراد الله سبحانه أن يعلمه للجماعة المسلمة وهو يربيها بالأحداث في أحد وبالتعقيب على هذه الأحداث في هذه السورة. وهو يقول لها، بعد بيان السبب الظاهر في ما أصابها: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا}.. وهو يقول: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}. ثم.. وهو يردهم إلى قدر الله وحكمته من وراء الأسباب والوقائع جميعًا؛ فيردهم إلى حقيقة الإيمان الكبرى التي لا يتم إلا باستقرارها في النفس المؤمنة: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}..